بات الحلم الأول والأسمى بالنسبة للعديد من الشبان البطالين في الجزائر هو الهجرة نحو الدول الأوروبية. هذا الهاجس الذي استغلته بعض العصابات لامتهان النصب والاحتيال، فيبيعونهم تأشيرات مزورة ويسلبون هؤلاء الضحايا مدخرات حياتهم. إذ يلجأ الضحايا لبيع ممتلكاتهم واقتراض الأموال لشراء تأشيرات وهمية بهدف عبور المتوسط وبلوغ الضفة الأخرى. وبين الحقيقة والخيال تضيع أحلام جزائريين تتلقفهم الشبكات الإجرامية لتأخذ منهم أموالهم مقابل وعود كاذبة.
تحولت الهجرة إلى خارج الوطن إلى طُعم يسهل من خلاله اصطياد بعض الضحايا الذين لا يتوانون عن دفع الملايين مقابل الحصول على التأشيرة، فالعصابات الإجرامية تدرك أن الهجرة أكبر هموم الشباب البطال الجزائري. وكالغريق الذي يتشبث بحبال الهواء، يتمسك هؤلاء بأي بصيص أمل قد يحقق لهم حلمهم المنشود، وهذا ما يدفعهم إلى الانسياق وراء هذه العصابات والوثوق في وعودها بسهولة. ومن خلال مقالنا هذا سنستعرض بعض الحالات التي عالجتها المحاكم الجزائرية.
شبكة إجرامية تعرض خدماتها لتزوير ملفات التأشيرات مقابل 7000 دج
في سياق ذي صلة أسقطت فصيلة الأبحاث للدرك الوطني بعنابة، سنة 2014، شبكة تزوير وثائق التأشيرة للقنصلية الفرنسية، يقودها عاطل عن العمل وتجار قطع غيار السيارات وتنشط بالولاية وولايات مجاورة، ويوفر أفراد الشبكة وثائق مزوّرة للحصول على التأشيرة بمبلغ 7 آلاف دج، حيث أن النائب العام لمجلس قضاء عنابة أمر الدرك الوطني بتوسيع التحقيق إلى ولايات أخرى ومواصلة التحري للوصول إلى عدد الملفات المزوّرة التي يكون قد استفاد منها أشخاص من التأشيرات.
وفي تفاصيل القضية، فإن فصيلة الأبحاث للدرك الوطني أسقطت عناصر الشبكة، بناء على معلومات تفيد بوجود عناصر من عنابة يقومون بتزوير الوثائق الإدارية المطلوبة لملف تأشيرة فرنسا لإيداعه على مستوى هيئة ”تي. أل. أس. كونتاكت ”، تنشط بمختلف أحياء عنابة وتحوز على مختلف الوثائق المزورة وتعرضها للبيع على الأشخاص الراغبين في إيداع ملف التأشيرة. وكانت الشبكة تتحرك منذ عدة أسابيع بمدينة عنابة والولايات المجاورة. وأشارت المعلومات المتوفرة أنه بعد فتح تحقيق في القضية وتعميق الأبحاث والتحريات من طرف عناصر الدرك الوطني وتتبّع حركة الأشخاص المشبوهين، تبيّن وجود المسمى ”ب.ب ”، بطال وساكن بعنابة، حدد موعدا بفرع ”تي. أل. أس. كونتاكت ”، على الساعة الثامنة والنصف صباحا، فوضع المحققون خطة للمراقبة العامة، خاصة مراقبة كل الأشخاص الوافدين والحاملين لملفات التأشيرة، إذ خضع العشرات من الأشخاص ممن كانوا بالمكان حاملين معهم ملفات طلب التأشيرة للتفتيش، تم على إثره توقيف المعني بمحاذاة الفرع وبحوزته ملف إداري لطلب التأشيرة. وأثناء التحقيق تبيّن أن الشهادة العائلية للحالة المدنية المحررة باللغة الفرنسية وشهادة الانتساب للضمان الاجتماعي اللتين كانتا ضمن ملف التأشيرة مزوّرتان. فيما قال المشتبه به أنه تسلّمها من المسمى ”ب.ل” المقيم ببلدية البوني ولاية عنابة، مقابل مبلغ مالي يقدر ب7 آلاف دج. أما شهادات العمل وكشف الراتب فقد أنجزتا له من طرف المسمى ”ش.ع”، تاجر قطع غيار السيارات. وعلى إثر شهادة الموقوف، فتحت فصيلة الأبحاث تحقيقا في القضية، أفرز توقيف المسمى ”ف.ل ” ببلدية البوني، على متن سيارة مستأجرة من وكالة لكراء السيارات. وعثر المحققون على وثائق أخرى مثل التي ضبطت بحوزة المشكوك فيه الأول، وأثبتت المصالح المستخرجة منها أنها مزورة.
عصابة تنشط في تزوير تأشيرات ”شنغن”
سلطت محكمة بئرمرادرايس بالعاصمة عقوبات متفاوتة في حق عصابة تتكون من 12شخصا، حيث تمت إدانة 9 متهمين بعقوبات تراوحت بين 6 أشهر وعام حبسا موقوفة النفاذ عن تهمة استعمال المزور في محررات إدارية، فيما تمت استفادة أحدهم من البراءة من جميع التهم. كما قضت المحكمة أيضا بإدانة المتهمين المتواجدين في حالة فرار بعقوبة عامين حبسا نافذا وغرامة بقيمة 50 ألف دج، مع إصدار أمر بالقبض في حقهما على خلفية تورطهما في تزوير وثائق وملفات المتعلقة بالحصول على تأشيرة ”شنغن” وبيعها للشبان الراغبين في الهجرة مقابل مبالغ مالية تراوحت بين 150 ألف و450 ألف دج.
وقد تبين من خلال تصريحات المتهمين أن المدعو ”س.ع” كان يقوم باستنساخ الوثائق المزورة بأحد نوادي الأنترنيت بمنطقة عين البنيان غرب العاصمة، والذي كان يتكفل بتأمين كافة الوثائق اللازمة للملفات الحصول على التأشيرة، حيث تبين أنه كان يسلمهم شهادات عمل مزورة صادرة عن الإذاعة الوطنية والتلفزيون، على أساس أنهم متعاقدون معها لمدة 3 أشهر، وكذا كشوفات رواتب بالرغم من أن جل تجار ،في حين أن ذلك الاخير فند جميع أقوال شركائه، وألقى المسؤولية على عاتق المتهم المتواجد في حالة فرار.
وكانت هذه العصابة سببا في توريط عدد من الشبان الراغبين في الهجرة إلى الخارج، حيث استغلت طموحهم للسفر من أجل جني ثروة لقاء الخدمة التي تقدمها لهم، حيث تم توقيف أحدهم بالقنصلية الفرنسية بالجزائر التي قصدها بعد حصوله على موعد بموجب الملفات المزورة. على إثرها باشرت فرقة البحث والتحري التابعة لأمن ولاية الجزائر تحرياتها في القضية، أين تبين أن المتهم تحصل على تلك الوثائق المزورة مقابل مبالغ مالية من أحد الأشخاص، الذي بدوره كشف عن بقية الأطراف التي تقف خلف هاته العملية. وبمواصلة التحريات تم توقيف بقية المتهمين.
ومن جهته، أشار دفاع أحد المتهمين خلال مرافعته، إلى سذاجة موكله بعدما أكد أنه كان يظن أن الإذاعة الوطنية خصصت ”كوطة” للموظفين للاستفادة من التأشيرات، والتي تبقى منها حوالي تأشيرات 10سيتم توزيعها للمواطنين، محاولا بذلك إخراجه من روابط التهمة الموجهة إليه، والتي جاءت كتبرير لحصوله على شهادة عمل مزورة كونه أمي. فيما راح محامي أحد المتهمين من طالبي التأشيرة إلى أن الجريمة خائبة كون موكله المتابع لم يتحصل من التأشيرة بالرغم من أنه سلم مبلغ 45 مليون سنتيم، ليطالبوا إفادتهم بالبراءة.
عصابة تستهدف الشبان الذين قوبلت طلباتهم بالرفض
لايزال الحصول على تأشيرة ”شنغن” حلما بعيد المنال بالنسبة للكثيرين، ما يجعلهم صيدا سهلا بالنسبة لعصابات التزوير التي يسهل عليها إقناعهم بأن التأشيرة أصلية، على غرار عصابة كانت تنشط في الجزائر العاصمة، اكتُشف نشاطها عندما قبض على مسافر كان يستعد للسفر إلى أوروبا عبر مطار هواري بومدين بالعاصمة، وبحوزته تأشيرة مزورة، وتبين أن عناصر العصابة كانوا يترصدون الراغبين في الحصول على التأشيرة بالقرب من مختلف القنصليات الأوروبية المعنية، كما كانوا يستهدفون الأشخاص الذين تقدموا بعشرات طلبات الحصول على التأشيرة، غير أن طلباتهم قوبلت كلها بالرفض، ما سهل إقناعهم بتسديد مبالغ ماليةتراوحت بين 20 و30 مليون سنتيم لتحقيق حلمهم في الهجرة لإحدى الدول الأوروبية..
تأشيرة فرنسية مزورة ب 20 مليون سنتيم
أدانت محكمة الحراش، المتهم (م. م) بعقوبة 6 أشهر حبسا موقوف النفاذ و50 ألف دج غرامة مالية، مع منع استصدار جواز السفر لمدة 6 أشهر، بعد متابعته بتهمة التزوير واستعماله في جواز سفر جزائري. وقد كلفته عملية شراء التأشيرة المزورة مبلغ 200 ألف دج، بطلب من ابن عمه الطالب الجامعي ببجاية الذي لعب دور الوسيط.
ومن جانبه التمس وكيل الجمهورية عقوبة 18 شهرا حبسا نافذا في حق المتهم مع منع استصدار جواز السفر مدة 3 سنوات. وقد أنكر المتهم الذي ينحدر من ولاية البويرة الوقائع المنسوبة إليه، مؤكدا جهله بعملية التزوير، وصرح أنه أراد السفر إلى فرنسا بمساعدة ابن عمه، الذي عرض عليه دفع مبلغ 20 مليون سنتيم تكلفة شراء التأشيرة.
مغتربون ضمن شبكة دولية لتزوير تأشيرات ”شنغن”
تمكن أفراد الأمن بولاية عنابة السنة الماضية من توقيف عناصر آخرين ينشطون ضمن الشبكة الدولية المختصة في تزوير التأشيرة والوثائق الرسمية وتقليد أختام الدولة، حيث تم إضافة 4 أشخاص آخرين تتراوح أعمارهم بين 25 و30 سنة إلى قائمة المتابعين في الملف، على خلفية توقيف عنصرين منها بمطار رابح بيطاط الدولي وميناء عنابة، بمجرد دخولهما إلى أرض الوطن بعد فترة من مغادرتهم التراب الوطني باستخدام تأشيرات مزورة من أجل الدخول إلى فضاء ”شنغن” الأوروبي.
واستمع قاضي التحقيق بمحكمة عنابة إلى أفراد هذه الشبكة المختصة في تزوير الوثائق الإدارية، وتقليد أختام الدولة، بعد توقيف عناصر جديدة من بينهما مغتربان، ليترفع العدد إلى 10 أشخاص، بعد إيداع خمسة أشخاص الحبس المؤقت قبل شهرين. وتوبع المتهمون في القضية من بينهم صاحب محل معروف بحي الصفصاف يشتغل في الطباعة الإلكترونية ومغتربان وابن إطار سابق في سلك الحماية المدنية، بتهم تتعلق بجناية تكوين جمعية أشرار وجناية التزوير في محررات رسمية وعمومية، تزوير الرخص والشهادات والبطاقات وجوازات السفر، وجناية تقليد واستعمال أختام الدولة، وجنحة التزوير في محررات تجارية ومصرفية.
تعود تفاصيل القضية إلى 15 فيفري الماضي، حينما تمكن عناصر الشرطة القضائية، استنادا لمعلومات تحصلت عليها من طرف ضحايا، إضافة إلى مسؤولي القنصلية العامة الفرنسية بعنابة، التي لاحظ موظفها استخدام جنوني لشهادات عمل وكشوف رواتب شهرية لموظفين بمديرية الحماية المدنية لولاية عنابة، الأمر الذي أثار الشكوك بسبب تقدم العشرات من طالبي التأشيرة يحملون صفة أعوان في سلك الحماية المدنية، ما استدعى إخطار جهاز الأمن، الذي تمكن أفراده من توقيف أولي ل3 أشخاص بعد تحديد مقر عملهم وسكناهم، حيث تمت مداهمة المحل التجاري الذي كان يستخدم كورشة لتقليد الأختام وتزوير الوثائق، وتم العثور على وثائق مختلفة، منها وكالات عقود موثقة، نسخ لبطاقات تعريف وطنية وسجلات تجارية، جوازات سفر، شهادات ملفات لطلبات التأشيرة لعدة دول أوروبية وجوازات سفر مزورة. كما عثر على عدة أختام تابعة لإدارات ومؤسسات الدولة منها الدمغ والختم الرسمي لوزير العدل حافظ الأختام، وزير المالية، والنائب العام لمجلس قضاء عنابة، وأختام أخرى لشخصيات وإدارات مركزية ومحلية، منها الولاة ورؤساء الدوائر والبلديات.
وسمحت هذه العملية بمصادرة مجموعة أجهزة إعلام آلي وآلات نسخ تعمل بتقنيات متطورة جدا، تستخدم في تزوير وإصدار مختلف نماذج الوثائق الإدارية، ويتمركز نشاط هذه الشبكة بالولايات الشرقية والعاصمة، يقوم أفرادها ببيع هذه الوثائق مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 5000 دج و20 مليون سنتيم، حيث تعتبر هذه الشبكة الأخطر على المستوى الوطني في مجال التزوير والنصب والاحتيال لإيقاعها بمئات الضحايا.
المصدر : هنا